من ضمن تحدي الأعراف السائدة في اللغة لدى المحدثين أنهم أهملوا القواعد النحوية والتي كانت تشكل ضمن القصيدة الكلاسيكية ركنا أساسيا في بناء الجملة الشعرية ، أن أغفال البناء الشعري الجديد لهذه القواعد يعني في أقرب تفسير له أن رواد الحداثة كانوا جادين في تحطيم هيكلية البناء القديم والتي تشكل سلطة القواعد أهم مرتكزاته الدلالية والصوتية وهذا التحول أو بالأحرى هذا الهدم لابد أن يصاحبه الكثير من المشكلات السو سيولوجية والفلسفية وأذا ماأخذنا بنظر الإعتبار أن جمالية اللغة تكمن في أستخدام نظام المفردة ضمن علاقاتها مع متوالياتها من المفردات في تشكيل النص الشعري وهذا التحلل أو الأنتقال أو الهدم يعني في أحد جوانبه كيفية مواجهة التراث والتعامل معه وكذلك مستويات الأنفعال في الحداثة الجديدة وكيف تكون بنية النص ضمن منحناها الجمالي والدلالي ..؟
من هنا أراد المحدثون أن تكون للمفردة فعلها المزدوج وتأثيرها المتعدد الأغراض وبالتالي ستتخذ وسيلتها إلى الغموض والغموض سيولد أشكالية أخرى تتعلق بمدى أستقبال المتلقي لما يَقرأ ،
إن المقارنة التي مثلها أدونيس مثلت عين الصواب حين قارن بين جمالية الشعر القديم وجمالية الشعر الجديد إذ أن مهمة الشعر القديم من الناحية الجمالية كانت إلى حد بعيد مهمة ترقيعية أما الشعر الحديث فمهمته الإكتشاف والهدم والغور في المجهول وهنا لابد أن تثار أسئلة كثيرة ومن ضمنها هل أن الشعر القديم خلا من البعد الجمالي وهل أن الشعر القديم لم يوفق في تسخين القوى النفسية ولم تكن عذوبته العاطفية قادرة على تأجيج المشاعر والمكونات الروحية وهل هذا يتعلق بطبيعة منتج ما لفترة معينة ما أم هو القياس لما كان عليه الشعر القديم ..؟ ثم هل أن عملية الهدم لدى رواد الحداثة هدم لغة وخلق أخرى سمة توافقية بين كل المحدثين بغض النظر عن الأختلافات فيما بينهم بالتوجهات الفكرية والعقائدية والنظر إلى مفهوم الحداثة الغربية ،
لقد أصبحت الجملة الشعرية تعتمد نمطا جديدا من التوزيع والهدف في ذلك خلخلة العبارة التقليدية وأزاحة ثوابتها عن أسس الإشتغال
مع تقليم العديد من الأدوات اللغوية التي أصبح ظهورها لايطاق ضمن الأتجاهات الشعرية الجديدة ومما يساعد على هذا التقليم هو الإتجاه نحو تشتيت الجملة الشعرية وهذا التشتيت يؤدي لبعثرة المعنى لتلد معان أخرى فيبدو النص الشعري أجزاء متباينة الإتصال ومتباينة المثابات والنهايات وتبدو وكأن لا جامع بينهما ،فتفكيك الجملة الشعرية يعني إعادة توزيعها وأعادة التوزيع تعني التغير في شكلها البنائي والتغيير في شكلها البنائي يعني التعبير بغير مدلولاتها أي لاصلة لها ببنائها التقليدي الأمر الذي يتطلب المزيد من الإحتراس والمزيد من الإنتباه للمغايرة ،
وضمن ماذكرنا فقد قدم عدد من النقاد أراءهم فيما يخص تلك الأنتقالية كان عز الدين أسماعيل قد وضع يده على (الأصول الجمالية للنقد العربي ) وخالدة سعيد (البحث عن الجذور ) وكشف مارون عبود عن (رواد النهضة الحديثة ) وعبد القادر القط عالج العديد من المفاهيم والأشكالات في (قظايا ومواقف ) وقدم لويس عوض دراسته المطولة عن (المؤثرات الأجنبية في الأدب العربي الحديث )وأستفاظ محمد مندور في (المنهجية في النقد العربي) وعبد الجبار داوود البصري في (الشعر العراقي الحديث ) وسلمى الخضراء الجيوسي (الشعر العربي المعاصر تطوره ومستقبله ) وبنفس الإتجاه عن الشعر العربي المعاصر ساهم شوقي ضيف وعن الشعر في لبنان قدم هاشم ياغي دراسته التفصيلية وفعل أخرون فعلهم النقدي وتوالت الدراسات من المشرق والمغرب لمعاينة ومحاكاة الجديد وأستنطاق أسباب ثورته
والعوده لماضي القديم ومالذي لم يسلط الضوءعليه ،
كانت التجربة الجديدة بمواجهة الأنسان وخوفه وخنوعه ذلك الإنسان الذي لم يذق معنى الحرية فكيف يتلأم مع وجوده ،
قبل تلك الرؤيا العربية قد رأى رتشاردز بالتجربة الشعرية نوعا من التعبير النفسي وهي ذات وحدة شعورية كاملة والمهم في ذلك أن كل شئ يبنى في جمالية الأثر الفني بوجود أسس وقواعد لأعادة كشف المنتج كذلك الحال في رؤيا الحداثة الشعرية العربية في جانبها المهم الذي يتعلق بالأنسان العربي فلابد من وجود أسس وقواعد للتعامل والمنتج الجديد فقد شكلت القضايا العربية (القهر- الأخفاق- اليأس- القهر الأجتماعي- الذل السياسي-فقدان الحرية ) الجانب الأكثر أنطلاقا نحو التحديث للتعامل مع الأزمات التي سميت بالأزمات الشاملة وهذه القضايا ومواجهتها لاتتطلب تغييرا في البنى الشعرية وفي شكل القصيدة ووظائفها فحسب وأنما يصاحب ذلك بلورة مفاهيم ثقافية تنسجم مع دعوة الحداثيون للتمرد على الواقع فقد أنتج الشعر الجديد حزنه وعبر عنه برؤيا جديدة وجعلوه كظاهرة يطمأن الشاعر من خلالها لهذا العالم عبر الذات اللامنتمية إلا لذاتها.